بعد انقضاء أيام عيد الأضحى المبارك لعام 1446هـ / 2025م، تبقى في القلب آثار هذا الموسم الإيماني العظيم، وتبقى معاني التسليم والثقة والرضا حاضرة في النفس، توقظ اليقين بأن ما عند الله أعظم، وأن تدبيره ـ وإن خالف رغبتنا الظاهرة ـ هو الخير المطلق، ولو خفي علينا وجهه.
الحمد لله حمدًا يليق بجلاله وعظيم عطائه، حمدًا لا ينقطع، وشكرًا لا ينفد، على ما يمنّ به عليّ من نِعم ظاهرة وباطنة. إنني دائمًا أحسن الظن بتدبير الله، وأؤمن أن ما قد يراه الناس محنةً أو خسارة، أراه أنا فضلًا خفيًّا، ورحمةً متنكرة في ثوب البلاء. فلست ممن يربط الخير بمظاهره فقط، بل أوقن أن وراء كل أمرٍ وجهًا من الخير قد لا يظهر في أول وهلة، لكنه يتجلى حين يُفَسَّر بنور الإيمان.
وقد ازددت بهذا الفهم عمقًا حين مرّ بي الزمن، وتعددت المحطات، وكبرت التجارب. وكلما تعمقت معرفتي بأسماء الله الحسنى، ازداد قلبي يقينًا. فهو “الحكيم” في قضائه، “اللطيف” في عطائه، “الخبير” في تدبيره. وكثيرًا ما تأملت في قصص الأنبياء، فوجدت فيها أنبياء الله يمرّون بما هو أشد، ليعلّمونا أن الطريق إلى النور لا يخلو من اختبارات.ومن أبلغ القصص في هذا المعنى، قصة نبي الله موسى عليه السلام مع الخَضِر، حين رافقه وتعلّم أن ما بدا له منكرًا (قتل غلام، خرق سفينة، بناء جدار لقوم رفضوا الضيافة)، كان في الحقيقة تدبيرًا إلهيًا يحمل الخير الخالص. تلك القصة من سورة الكهف، ما تزال تُعلمني أن ما نخشاه قد يكون رحمة، وما نرفضه قد يكون طريقًا للنجاة، وما لا نفهمه الآن، قد يكون هبة عظيمة بعد حين.
إن ربط صلاح الأحوال بظاهرها وحده ظلمٌ لعظمة تدبير الله. فليس كل ما نراه حسنًا هو الخير، وليس كل ما نخشاه شرًا. في كل قدر حكمة، وفي كل تأخير لطف، وفي كل اختبار جائزة كبرى لمن صبر وسلم.
ومن نعم الله العظمى على عباده، أن يرزقهم قلبًا يعرف الشكر، ونفسًا تؤمن أن الفضل كله من عنده، وأن ما نحن فيه من نعم لا نستحقها بعملنا، بل هي محض عطاء. المؤمن إذا أنعم عليه الله، حمده وسجد له. وإذا أخطأت نفسه، خاف الله واستغفر، وتاب، وعاد. فالنقاء الحقيقي في أن تبقى يقظ الضمير، نقيّ السريرة، حساسًا تجاه الخطأ، متعجلًا للإصلاح.
الجائزة الكبرى ليست في المال ولا المناصب، بل في أن تجعل الله حاضرًا في كل قرار، وفي كل نية. إن أحسنت، شكرت. وإن ضعفت، استغفرت. وإن سُدت أمامك الأبواب، دعوت: اللهم اختر لي، فإني لا أحسن الاختيار.
ومع وداع أيام الحج وعيد الأضحى، تترسخ في القلب القناعة بأن الرضا بقضاء الله هو الأصل، وأن حسن الظن به هو مفتاح كل خير، وأن كل ما مرّ بنا كان إعدادًا لما هو أعظم.
د. هشام منصان
#د_هشام_منصان #خبير_قانوني #تدبير_الله #عطاء_الله #القدر_خير #الجائزة_الكبرى #موسى_والخضر #AllahsWisdom #FaithAndPatience #IslamicReflection