أخر الاخبار

السلطات العامة للدولة ما بين التعاون والصراع في الانظمة العربية

 

السلطة ، الحكومة
تنويه : ورقه عمل بحثية  : مقدمه من دكتور هشام منصان ضمن اعمال المؤتمر العلمي الذي نظمته احد الجامعات العربيه وقد نشر بدوريات الجامعات العربيه منذ عدة سنوات . 

تمهيد

لا تقوم الدولة الا اذا توافرت مكوناتها الثلاث ( الشعب والاقليم والسلطة ) ؛ ويقاس مدي نجاح اي دولة في العالم علي مدي نجاح تلك السلطة في ادارة شؤن البلاد ؛ ومع تطور الأنظمة السياسية للبلدان تطور معها مفهوم السلطة وتوزيع اختصاصاتها ؛ الي ثلاث سلطات هي السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية .
وبمرور الوقت عملت الانظمة السياسية علي تطوير تلك العلاقة التي تجمع بين السلطات الاساسية للدولة ؛ الا ان الانظمة السياسية المختلفة ومنها الانظمة العربية قد اختلفت في تنظيم تلك العلاقة .
وفي اطار الورقة البحثية لأعمال الملتقي ووفقا للخطة التي قد اقترحتها فإنني سأقسم بإذن الله تعالي تلك الورقة الي اربعة مباحث علي النحو التالي :
  • - مفهوم السلطة واثرها علي تحديد العلاقة بين السلطات الاساسية في الأنظمة العربية.
  • - مظاهر التعاون والتكامل بين السلطات الاساسية في الانظمة العربية
  • - مظاهر الصراع بين السلطات الاساسية في الانظمة العربية
  • - آليات تفعيل وتعزيز العلاقة بين السلطات الاساسية في الانظمة العربية .

المبحث الأول : مفهوم السلطة واثرها علي تحديد العلاقة بين السلطات الاساسية في الأنظمة العربية

تعد السلطة احد الاركان الاساسية التي تتكون منها الدولة ، ومع تعدد وظائف الدولة تعددت وظائف تلك السلطة بحيث انقسمت الي سلطات ثلاث اساسية هي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية .
والسلطة مالم تستند الي ارادة الجماعة التي تحكمها ، تكون سلطة فعلية لا تسمح بقيام الدولة بالمعني الحديث ، لان قيام الدولة وتأسيس السلطة يرتبط برضاء الافراد ، ومن ثم لا يكفي وجود سلطة عامة يخضع لها الافراد للقول بوجود الدولة ، بل يلزم ان تظفر هذه السلطة باعتراف الافراد وقبولهم لها ([1])
واذا كانت تلك السلطات مجتمعة تمثل مفهوم السلطة وفقا لتعريف الدولة ، فإنني رأيت ان اوضح بشكل سريع مفهوم السلطة العامة وذلك بغرض الكشف عن الاثار الناتجة عن هذا المفهوم في تحديد العلاقة بين عناصر تلك السلطة .
وعلي هذا فإن السلطة هي احد الاركان الاساسية للدولة اضافة الي الشعب والاقليم وهي تعني بوجود هيئة تبسط سلطاتها وسلطانها على كامل اقاليم الدولة ومواطنيها .
ولقد ساق الفقه عدد من الخصائص للسلطة التي تمارسها الدولة وهي :
- ان سلطة الدولة سلطة اصلية دائمة غير مشتقة لا تقبل التوقيت
- ان سلطة الدولة سلطة عامة عليا تسمو على جميع السلطات الاخرى في الدولة
- ان سلطة الدولة سلطة متفردة بوضع القوانين وكفالة احترام تنفيذها
- ان سلطة الدولة محتكرة لها ، تملك وحدها قوة الاكراه المادي
- انها سلطة مؤسساتية تقوم على الفصل بين الحاكم كسلطة عامة لها شخصية اعتبارية وبين شخص الحاكم كفرد عادي ، اي ان السلطة هي وظيفة وواجب .

- مفهوم السلطة في ظل دولة القانون

مع تطور نظريات النظم السياسية والتي تحدد السلطات الاساسية للدولة ومدي علاقتها ببعضها البعض في ظل اعلاء دولة القانون فإن جميع دساتير العالم قد عملت علي ارساء عدد من المبادئ في هذا الشأن تأكيداً منها علي وحدة الدولة وتنظيم العلاقة بين السلطات الاساسية للدولة ، ولقد اكدت معظم الدساتير علي عدد من المبادئ هي :
· التأكيد علي مبدأ الفصل بين السلطات
· التأكيد علي رقابة القضاء علي اعمال السلطة التنفيذية
· التأكيد علي استقلال القضاء في مواجهة باقي سلطات الدولة
· التأكيد علي عدم تحصين اي عمل من رقابة القضاء والرقابة الشعبية ([2])
· التأكد علي ضمان الحقوق والحريات العامة لأفراد الشعب

- العلاقة بين السلطات الاساسية في ظل إعمال مبدأ الفصل بين السلطات

يقوم مبدأ الفصل بين السلطات علي توزيع وظائف الدولة المختلفة واختصاصاتها المتنوعة وسلطاتها على هيئات معينة ، تضطلع كل منها بوظيفة أساسية.
وقد كان الدافع وراء تقسيم وتوزيع الوظائف هو منع تركز السلطة واحتكارها، او الصراع المحتمل بين السلطات الأساسية في الدولة او تغول سلطه علي الأخرى .
والحقيقة أن هناك اختلاف بين الدول العربية في شكلها ما بين دول موحدة وبين دول اتحادية لا يناقض مبدأ الفصل بين السلطات ، فيما بين الشكلين من الدول في أن أحدهما يأخذ بنظام المركزية السياسية، ويظهر ذلك من خلال وجود دستور واحد وسلطات عامة مركزية في العاصمة ، تمارس وظائف الدولة الرئيسية ، ولا يوجد هنا ما يمنع من أن تطبق مثل هذه الدول نظام اللامركزية الإدارية في إدارتها للمرافق والمصالح والأقاليم المختلفة ، دون أن يؤثر ذلك على كونها دولة موحدة ؛ أما الدولة الاتحادية ([3]) فتأخذ بنظام اللامركزية السياسية ، وهو نظام سياسي يختلف جذريا عن نظام اللامركزية الإدارية ، وهو ما نطلق عليه المركزية السياسية واللامركزية الإدارية في ادارة المرافق .
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات المتنوعة والكبيرة التي تمنح للرؤساء وللملوك والأمراء في الدول العربية ؛ يرجع كما قلنا إلى شكل الحكم في الدولة وليس إلى نظامها السياسي.
ونستطيع أن نلاحظ في العصر الحديث ، أن العلاقة بين السلطات المختلفة داخل الدولة أصبحت تخضع لكثير من العوامل والظرف التي قد تودي إلى ترجيح كفه سلطة على غيرها.
وأيا ما كان الأمر، فإن من الملاحظ أنه ومهما كان النظام المطبق، فإنه يقوم في جميع الأنظمة على نوع من الاتصال والتعاون، بل والرقابة المتبادلة بين السلطات، نظراً لنمو الوعي السياسي لدى المواطنين، وتطور الفكر السياسي وازدياد حاجات المجتمعات الحديثة ، وتعقد مشاكلها وتشعبها، مما يستحيل معه على سلطة واحدة القيام بها جميعا في الوقت نفسه .
ومما تقدم يتضح انه وان كانت كل الدساتير العربية قد اكدت في مضمونها علي مبدأ الفصل بين السلطات كأساس يحكم العلاقة بين السلطات الاساسية ، وانه وان كان هذا المبدأ راسخ في اذهان فقهاء القانون الدستوري والنظم السياسية الا ان التطبيق خاصه في عالما العربي قد شهد اخلالا بهذا المبدأ ، وشاهدنا تغول السلطات علي بعضها البعض ، وهذا ما سأتناوله ايجازاً في المبحثين التاليين .

المبحث الثاني : مظاهر التعاون والتكامل بين السلطات الاساسية في الانظمة العربية

من المفترض ان جميع السلطات الاساسية للدولة ، تكون وحده واحده متكاملة ، اذا انها في الاصل كانت سلطه واحده وبتطور الأنظمة السياسية ونظراً لتشعب وكثرة الوظائف التي تقوم بها الدولة ، تعددت السلطات وانقسمت الي التقسيمات الاساسية المعروفة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) ، بل انه وبمرور الوقت لوحظ ان هناك تغولا من سلطه علي اخري ، خصوصا السلطة التنفيذية التي كانت تتغول علي باقي السلطات ، وهذا ما دعي الي التأكيد دائما علي مبدأ الفصل بين السلطات .
وبالنظر الي الوضع العربي فإننا نري الفقه قد اكد علي مبدأ الفصل بين السلطات ، بل واكدت عليه بعض الدساتير ، الا ان هذا لم يمنع تغول السلطة التنفيذية علي السلطات الأخرى باعتبارها تملك بيدها القوه الفعلية في البلاد ([4])
كما ان المغالاة في تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات القائم على الفصل المطلق قد أفرز العديد من الإشكاليات والصعوبات بالإضافة إلى عدم تحقيق المصلحة العامة على الوجه الأمثل ، لذا انتهى الأمر إلى تبني نظام الفصل النسبي المرن بين السلطات في أغلب الأنظمة السياسية المعاصرة.
وعلى الرغم من ذلك فإن تطبيق مبدأ التعاون بين السلطتين بمفهومة الدستوري والسياسي، هو أن تعمل كل سلطة من هذه السلطات على تمكين كل سلطة أخرى من أداء مهامها على أفضل وجه ، فمن أسس تعاون السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية أن يتيح لها الفرصة التقدم ببرامجها وفقاً لتصوراتها، وأن تعطيها المجال لإعدادها فلا ترهقها بأسئلة متتالية وطلبات غير متناهية على نحو يربك هذه السلطة في ترتيب أولوياتها، أو يشغلها عن أداء مهامها.
وبالنظر الي مظاهر التعاون والتكامل بين السلطات الاساسية في الانظمة العربية يمكن تحديد ابرزها في الاتي :

اولاً : مظاهر تعاون السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية :

برغم ان التعاون بين السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية لم يأخذ إلى الآن كامل أبعاده رغم تزايد مبررات هذا التعاون ووضوحه الا ان التطبيق العملي قد افرز العديد من المعوقات ، الا ان هذا لم يمنع بعض التعاون من ابرزه :
- ان التعاون القائم بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية يؤثر ايجابا علي المناخ السياسي والاقتصادي للبلاد ، من خلال اعداد القوانين التي تلائم ومتطلبات المجتمع من قبل السلطة التنفيذية وإقرارها من السلطة التشريعية وفقا للآليات المتبعة قانوناً .
- تحقيق المصلحة العليا للدولة والتي تتطلب التوازن المنشود عبر تقديم حلول تشريعية للمشكلات وللقضايا المجتمعية الهامة ، ويتجلى أيضاً باختيار المواضيع التي يصح طرحها من قبل أعضاء السلطة التشريعية ومن ثم عدم إرباك السلطة التنفيذية.
ويمكن القول بأن مظاهر التعاون والتكامل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الاتي :

1- الدور التشريعي للسلطة التنفيذية بالتعاون مع السلطة التشريعية :

يعد الاختصاص الأصيل للسلطة التشريعية هو سن القوانين وإقرارها سواء كان مشروع القانون مقدماً من الحكومة أو مقدم من عدد من أعضاء السلطة التشريعية.
ولئن كان الأصل أن السلطة التنفيذية لا تتولى التشريع ، إنما يقوم اختصاصها أساساً على إعمال القوانين وإحكام تنفيذها ، غير أنه استثناء من هذا الأصل ، وتحقيقاً لتعاون السلطات ، فقد أخذ المشرع الدستوري في كافة الدول العربية ، والتي تجعل التشريع عملية مشتركة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، ولهذا فقد عهد إلى السلطة التنفيذية في حالات محددة أعمالاً تدخل في نطاق الأعمال التشريعية ، ومن ذلك الحق في اقتراح القوانين، وإصدار اللوائح بمختلف أنواعها.

2- التعاون القائم اثناء ممارسة السلطة التشريعية لدورها :

تأتي أهمية التعاون القائم بين السلطة التشريعية والتنفيذية ، من خلال دور الاولي في مناقشة مشاريع القوانين ذات الأصل الحكومي، بعد دراستها من اللجان المختصة.
ولا يمكن لهذا الدور أن يكتمل إلا عبر تزويد اللجان داخل السلطة التشريعية بكافة الوسائل الفنية اللازمة لقيامها بعملها، وامدادها بالخبراء في صياغة التشريع ، والمختصين في مختلف المجالات .

3- التعاون والتواصل بين أعضاء السلطة التشريعية مع الجهاز الاداري للسلطة التنفيذية في كل الاقاليم :

وهذا التواصل والتعاون من شأنه تحقيق اداء يطمح إليه المواطن من خدمات وتأمين لمصالحة، ودراسة معوقات عمل هذه الجهات المحلية وتذليل الصعوبات التي قد تحتاج إلى تدخل السلطة المركزية ، وإيصال الاقتراحات التي يرها القائمون على عملهم كل في اختصاصه مفيدة للمصلحة العامة.

4- التعاون بين السلطة التنفيذية والتشريعية في الإجراءات التمهيدية للانتخابات البرلمانية :

والتعاون يكون في تنظيم وتحديد الدوائر الانتخابية ، إعداد جداول الانتخابات ، قبول أوراق المرشحين للعضوية ، تشكيل اللجان الانتخابية ، تنظيم الدعاية الانتخابية ، دعوة هيئة الناخبين للتصويت ، إعلان ختام عملية الانتخاب ، فرز الأصوات ، إعلان النتيجة العامة للانتخابات.
الا ان هذا التعاون بين السلطتين لا يمنع من وجود صراعات عميقه سأتناوله باختصار في المبحث الثالث بإذن الله تعالي .

ثانياً : مظاهر التعاون بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية

في ظل دولة القانون تتعاون كلا السلطتين - التنفيذية والقضائية - في اطار من التكامل ويمكن تحديد ذلك من خلال :

1- دور السلطة التنفيذية في تنفيذ الاحكام الصادر من السلطة القضائية

لكي تقوم السلطة القضائية بدورها علي الوجه الطبيعي فانه لابد من تنسيق بشأن تنفيذ الاحكام الصادرة من القضاء ، لأنه بدون تنفيذ الاحكام فلا جدوي وفاعليه لتلك الاحكام ، ومؤكد ستغيب دوله تطبيق القانون ، ولم يقتصر هذا التعاون فقط علي تنفيذ الاحكام داخل الدولة بل ، تسعي السلطة التنفيذية علي عقد اتفاقيات لتنفيذ الاحكام خارج اراضيها ، بل واتسع الامر لكي يكون هناك تعاون دولي قضائي في مجال التحقيق وغيره ، وبالطبع فإن السلطة التنفيذية وما لها من ازرع وادوات من خلال وزاره الخارجية اجدر من يقوم بهذا .

2- التيسير والتامين الذي تقوم به السلطة التنفيذية لدور المحاكم

لكي تقوم السلطة القضائية بدورها لابد من تعاون مستمر بينها وبين السلطة التنفيذية من خلال نواحي شتي متعلقة بحسن سير العدالة وتأمين دور المحاكم واعضاء السلطة القضائية نفسهم وتوفير الحراسات اللازمة لهم لما قد يوجهونه من الخارجين عن القانون .
الا انه ورغم هذا التعاون فانه لا يعني ان الامور تخلو من صراعات ظاهره وخفيه تؤثر سلبا علي استقلال السلطة القضائية ، وهذا ما سأشير اليه في المبحث الثالث .

المبحث الثالث: مظاهر الصراع بين السلطات الاساسية في الانظمة العربية

لقد أفرزت التجربة العملية في عالمنا العربي خروقات كبيره فيما يتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات ، وقد أفرزت التجربة العملية ممارسات كثيره لتغول بعض السلطات علي بعضها البعض ، لاسيما تغول السلطة التنفيذية علي السلطتين القضائية والتشريعية .
ولعلي ارُجع في ذلك من وجهة نظري ، لاختلاط مفهوم السلطة العامة ، والخلط بين عدد من الامور والاختصاصات والصلاحيات لكل سلطة .
خصوصا منصب رئيس الدولة ، فقد اختلط الامر لدرجه انه في كثير من الانظمة العربية ، كان رئيس الجمهورية يجمع بيده كل الاختصاصات والصلاحيات ، اضافة لكونه رئيسا للسلطة التنفيذية ، ففي جمهورية مصر العربية نجد ان رئيس الجمهورية هو رئيسا للسلطة التنفيذية ، وهو القائد الأعلى للجيش كما انه يترأس كل المجالس العليا وبيده كل الصلاحيات والاختصاصات ، ولم يكن الحال في مصر وحدها ، بل حذت حذوها عدد كبير من الانظمة العربية .
كل هذه الممارسات ادت الي صراع بين كل تلك السلطات ، لاسيما صراع بين السلطة التنفيذية والسلطتين التشريعية والقضائية ، وسأحاول بإيجاز ابراز اهم تلك الصراعات التي أفرزتها التجربة العملية ، واهمها :

اولاً : الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية :

لقد أفرزت التجربة العملية في عالمنا العربي العديد من الصراعات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بحيث افسدت تلك الصراعات المناخ السياسي واخلت بالدور المنوط بكل سلطه ، ويمكن تحديد اهم مظاهر تلك الصراعات في الاتي :

أ‌- الصراع الناتج عن رقابة السلطة التشريعية علي اداء السلطة التنفيذية

لقد اقرت الدساتير العربية حق الرقابة للسلطة التشريعية علي السلطة التنفيذية وذلك من خلال ادوات قانونية منها :
  • - السؤال ([5])
  • - طرح موضوع للمناقشة ([6])
  • - التحقيق البرلماني ([7])
  • - الاستجواب([8])
  • - المسؤولية الوزارية السياسية ([9])
  • - الاتهام الجنائي ([10])
وإذا كان الغرض الرئيسي من وراء تقرير وسائل لرقابة للسلطة التشريعية علي السلطة التنفيذية بغرض تحقيق الصالح العام للبلاد وباعتبار ان اعضاء السلطة التشريعية هم الممثلين للشعب صاحب الكلمة الاولي والأخيرة في الدولة ، إلا أن الأمر لا يتوقف على مقدار وحجم الوسائل الرقابية المقررة بقدر ما يتوقف على كيفية أداء هذه الوسائل ، ومدى فعاليتها ، فواقع الأحوال يؤكد بأن هناك فجوة كبيرة بين النظرية والتطبيق العملي ، وبمعنى آخر، هناك اختلال واضح في التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالح هذه الأخيرة ، وهذه حقيقة غير خافية على أحد ، وكل هذا قد ادي الي صراع واضح وعميق بين السلطتين ، بل ان السلطة التنفيذية في غالب الاحوال كانت تزج ببعض وزراؤها ([11]) لكي يكونوا اعضاء في السلطة التشريعية ، وفي رايي ان هذا الامر يعد اخلال بالمصالح العليا للبلاد ، فكيف للوزير وهو في السلطة التنفيذية وعلي قمه الجهاز الاداري للدولة ، ان يكون في ذات الوقت عضوا بالمجلس التشريعي ويراقب اداؤه هو شخصيا .

ب‌- الصراع الناتج عن دور السلطة التنفيذية تجاه السلطة التشريعية

هناك العديد من الادوات بيد السلطة التنفيذية تجعلها في الغالب الاعم تتغول علي السلطة التشريعية ، بحيث تجعل الأخيرة مغلوله الايدي علي القيام بدورها ، بل وتستخدمها السلطة التنفيذية في الغالب لتصفيه الحسابات مع السلطة التشريعية ، وتجل السلطة التنفيذية ذو الكفة الراجحة في الصراع مما يغيب الصالح العام للبلاد ، ومن اهم تلك الادوات :
  • - دعوة المجلس التشريعي الانعقاد ([12])
  • - فض دور الانعقاد للمجلس التشريعي ([13])
  • - حق التأجيل للمجلس التشريعي ( [14])
  • - حق حل المجلس التشريعي ([15])
ونظرا لضيق الوقت ومحدودية الورقة البحثية المقدمة ، فإنني اكتفيت بالإشارة الي طبيعة تلك الادوات في الهوامش الختامية ، الا انه ومن الملاحظ حجم الصراع الموجود بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ، وحجم الصلاحيات والامتيازات التي تمارسها السلطة التنفيذية تجاه السلطة التشريعية والتي قد تصل في نهاية المطاف الي حل المجلس التشريعي وقتما ترغب السلطة التنفيذية ([16])

ثانياً: الصراع بين السلطتين التنفيذية والقضائية :

ليس من السهل علينا ان نوجه انتقادا او القول بصراع بين السلطة القضائية وغيرها من السلطات العامة للدولة ، ذلك انه يفترض في السلطة القضائية النزاهة والحيادية نظرا لطبيعتها والدور التي تقوم به ، خصوصا انها واثناء القيام بدورها فإنها تقوم بتطبيق القوانين دونما النظر الي شخص المتقاضين ومراكزهم الوظيفية او مكانتهم ، فالكل متساون امام القانون .
ورغم ذلك فإن الامر لم يخلو من محاولات السلطة التنفيذية علي التغول علي السلطة القضائية ، اما بشكل قانوني ، او من خلال ممارسات .
وهذا الامر كان بدوره كسر لمبدأ استقلالية القضاء ([17]) التي ينادي بها الجميع ، وذلك بغرض اعلاء دولة القانون ، ولست من انصار مهاجمة السلطة القضائية والنيل من وضعها القانوني ، ولكن في مجال البحث العلمي ، فإن الامر يختلف ذلك ان الانتقادات تكون بغرض الاصلاح وليس التجريح والهدم .
ويمكن القول من وجهة نظري ان اهم مظاهر الصراع بين السلطة التنفيذية والقضائية والتي تنتصر فيها الاولي علي الثانية ، ذلك الدور التي تلعبه وزارة العدل في البلدان العربية ، ذلك ان هذا الامر ينول من استقلال السلطة القضائية ، ويجعل مبدأ استقلال القضاء مجرد حبر علي ورق ، ويجعل السلطة التنفيذية متغولة ومتحكمة من الناحية الفعلية في امور القضاء ، وسأكتفي بتلك الجوانب تاركا بحثها لورقات بحثية قادمة .

المبحث الرابع : آليات تفعيل وتعزيز العلاقة بين السلطات الاساسية في الانظمة العربية .

وبعد تحديد مظاهر التعاون والصراع بين السلطات الاساسية للدولة بنظرة شاملة للأنظمة العربية ، فإنني وجدت انه من المنطقي ان اضع تصورا لتفعيل وتعزيز نلك العلاقة بين السلطات الاساسية في البلدان العربية ، وبشكل سريع ومختصر وجدت ان تلك الاليات تتمثل في الاتي :

اولا: التأكيد علي تفعيل مبدأ الفصل بين السلطات

علي ان يكون ذلك عملا وتطبيقا وليس مجرد حبرا علي ورق ، ومن خلال مراقبه شعبية ومستمرة لأي خروقات لهذا المبدأ .

ثانيا : التأكيد علي مبدأ استقلال القضاء .

وذلك من خلال رفع يد السلطة التنفيذية عن اي امر يتعلق بالقضاء وعدم التدخل باي شكل من الاشكال التي يمكن من خلال التأثير علي حسن سير القضاء .

ثالثاً: استقلالية السلطة التشريعية وتفعيل دورها الرقابي

وذلك من منطلق ان المجلس التشريعي يضم ممثلي الشعب وان الشعب هو السيد الاول والاخير ، وبالتالي يحق لهم ممارسه الدور الرقابي علي السلطة التنفيذية ، ومن وجهة نظري ان هذا الامر لن يتحقق الا من خلال عدد من النقاط اهمها :
- التأكيد من خلال النصوص الدستورية ومن بعدها القانونية علي حق المجلس التشريعي في الرقابة علي كافه اعمال السلطة التنفيذية .
- رفع كفاءه اعضاء المحلس التشريعي من الناحية السياسية والعلمية والقانونية ، لكي يكون اجدر بالقيام بدرهم التشريعي والرقابي علي السلطة التنفيذية .
تلك كانت اهم الاليات المقترحة لتعزيز وتفعيل العلاقة بين السلطات الاساسية للدولة في انظمتنا العربية ، الا انها ليست الاليات الوحيدة ، بل هناك العديد من الخطوات والاجراءات لتفعيل ذلك ولكنني فقط حرصت علي ذكر اهم المبادئ العامة لتفعيل وتعزيز العلاقة بين السلطات الاساسية في عالمنا العربي .
هذا وبالله التوفيق

الهوامش

[1] - بيردو ، المطول في العلوم السياسية ، الجزء الثاني ، الطبعة الاولى ص 110 ، الطبعة الثانية 1967، مشار اليه في النظم السياسية ، د ثروت بدوي ، طبعه 2011، دار النهضة العربية ، ص 32
[2] - الرقابة الشعبية المقصود بها هنا رقابة المجلس النيابي المنتخب من الشعب والرقابة التي يمارسها اعضاء المجالس الشعبيه المحلية .
[3] - علي سبيل المثال دولة الامارات العربية المتحدة .
[4] - وسأتناول مظاهر هذا التغول والصراع بين السلطات في المبحث الثالث من الورقة البحثية .
[5] - السـؤال : يعد السؤال الوسيلة الأولى والأكثر شيوعاً لمباشرة الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة من قبل أعضاء البرلمان. والسؤال في حقيقته هو مجرد استفهام العضو عن أمر يجهله، أو رغبته في التأكيد من حصول واقعة علم بها، أو استعلامه عن نية السلطة التنفيذية في أمر من الأمور.
[6] - طرح موضوع عام للمناقشة : ويقصد بها إجراء حوار بين البرلمان والحكومة حول موضوع له أهمية معينة، بقصد الوصول إلى حل يتفق عليه كل الاطراف .
[7] - التحقيق البرلماني : ويقصد به رغبه السلطة التشريعية في الوقوف على حقيقة معينة عن طريق فحص عمل معين أو سياسة معينة ؛ فهو إجراء يلجأ إليه البرلمان بقصد الاستنارة ، والذي على ضوئه يمكن أن يحدد موقفه ، إذ لا يمكن للبرلمان بغيرها أن يكتشف عيوب الجهاز الحكومي سواء من الناحية الإدارية أو المالية أو السياسية ، فبواسطة التحقيق يمكن التعرف على المساوئ والانحرافات التي قد تقوم بها السلطة التنفيذية .
[8] - من المتفق عليه بصفة عامة أن الاستجواب يحمل معنى المحاسبة أو المساءلة أو ينطوي على معنى محاسبة الحكومة أو أحد أعضائها عن تقصير أو سوء تصرف واتجهت غالبية الدساتير المعاصرة إلى النص على الاستجواب بحيث يشمل رئيس مجلس الوزراء والوزراء ، أما المطالبة بسحب الثقة فقد تفاوت مستوى أستخدمها في المجالس العربية .
[9] - المسؤولية الوزارية السياسية : تتعرض الحكومة أو الوزارة لثلاثة أنواع من المسئولية: المسئولية السياسية، والمسئولية الجنائية، والمسئولية المدنية ، ويقصد بها ذلك الحق الذي يخول البرلمان سحب الثقة من هيئة الوزارة كلها كوحدة، أو من أحد الوزراء، متى كان التصرف الصادر من الوزير أو من الحكومة مستوجباً للمساءلة. ويترتب على هذا التصرف البرلماني وجوب استقالة الوزارة أو الوزير، وذلك نتيجة سحب الثقة من أي منهما ، ولقد أخذ المشرع الدستوري في العديد من الدول العربية بصورتي المسئولية الوزارية السياسية .
[10] - الاتهام الجنائي : تجيز بعض الدساتير العربية للبرلمانات حق توجيه الاتهام إلى رئيس الجمهورية في حال ارتكابه لجريمة الخيانة العظمى أو جريمة جنائية أو خرق الدستور،
وتمنح الدساتير العربية حق توجيه التهم إلى الوزراء، أو مساءلتهم، كما جاء في دستور الأمارات العربية المتحدة ( المادة 99 ) .
وغني عن البيان أن البرلمانات العربية لم تستخدم أسلوب الاتهام الجنائي ضد الرؤساء خلال الفترة الماضية، إلا أن البعض منها استخدمه ضد بعض الوزراء.
[11] - ففي الحالة المصرية وفي العهود السابقة كان معظم الوزراء المصريين اعضاء بالمجلس التشريعي ( مجلس الشعب ومجلس الشوري ) وذلك في الوقت الذي كانت الانتقادات موجهة لمسل هذا السلوك |، نظرا للتعارض بين اختصاصات كل دور .
[12] - اكدت معظم الدساتير العربية ام لم يكم كلها على منح رئيس الدولة الحق في دعوة المجلس التشريعي للانعقاد حتى تاريخ معين، بحيث إذا مضى ذلك التاريخ ولم يدع المجلس للانعقاد ، فانه ينعقد بقوة القانون، بيد أن هذا الحق لم يترك لرئيس الدولة يباشر كيف يشاء ومتى أراد، وإنما وضعت له حدود يتعين إتباعها، فهناك أزمنة محددة يجب أن يدعى المجلس النيابي للانعقاد قبلها وإلا انعقد حتما وبقوة القانون فور انقضاء تلك المواعيد ، وبالإضافة إلى ذلك، فان الأنظمة الدستورية تعطى لرئيس الدولة الحق في دعوة المجلس النيابي إلى اجتماع غير عادي لمواجهة ظروف غير عادية .
[13] - لم تستقر الدساتير على تحديد الفترة التي يجب أن يظل المجلس التشريعي منعقدا خلالها، وسواء طالت تلك المدة أو قصرت، فان دور الانعقاد العادي للمجلس لا ينفض قبل استيفائها ، أما دور الانعقاد غير العادي فانه يجوز للحكومة أن تعمل على فضه دون التقيد بمدة محددة طالما كان المجلس التشريعي قد انتهى من نظر المسائل التي دعي من اجلها.
[14] - ويقصد بالتأجيل وقف الجلسات المجلس التشريعي أو دورة من دوراته، ويعتبر من الوسائل التي تعمل على تخفيف حدة النزاع القائم بين الحكومة والبرلمان، فقد ينشب نزاع بين البرلمان والحكومة باتخاذ إجراءات خطيرة مثل حل المجلس النيابي أو استقالة الوزارة، فهنا يكون من الاصوب تهدئه الخلاف عن طريق تأجيل البرلمان لإعطاء فرصة لكل منهما في أن يراجع نفسه ويصفى الخلاف، فالتأجيل إذن يغنى عادة عن حل البرلمان ويساعد على إيجاد تقارب في وجهات النظر.
[15] - وحق حل المجلس التشريعي هو حق السلطة التنفيذية أن تضع نهاية لوكالة أعضاء البرلمان قبل انتهاء مدتها، مما يترتب عليه إجراء انتخابات مبكرة ، وهو اخطر الأسلحة التي تملكها السلطة التنفيذية في مواجهة البرلمان .
[16] - لقد اوردت بعض الدساتير العربية بعض القيود علي حق السلطة التنفيذية ( رئيس الدولة ) في مساله الحق في حل المجلس التشريعي ، الا انها في واقع الامر مجرد قيود صوريه لا ترقي بان تكون حقيقيه .
[17] - مبدا استقلالية القضاء هو احد المباديء الراسخة في كل الدساتير قاطبة ، وهو احد صمامات الامان لاي مجتمع ، ونظرا لكبر حجم الموضوع ، فلا يتسع المقام الا للاشاره الية فقط .
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-