أخر الاخبار

الخطأ القضائي وآليات الحد منه

 



الخطأ القضائي وآليات الحد منه

تنويه : تمت المشاركة بهذا البحث من د. هشام منصان ضمن اعمال المؤتمر السنوى الذي نظمته احد الجامعات العربية وتم نشرة بالدوريات العلمية في عام 2015

تمهيد :

 كان وسيظل دائما موضوع الخطأ القضائي من المواضيع الشائكة التي شغلت كل القانونيين الدارسين منهم والعاملين بالسلك القضائي من قضاء جالس وقضاء واقف، وذلك نظرا لارتباطها الوثيق بأهم دعائم الدولة، الا وهو تحقيق العدالة في ظل دوله القانون  ، ولقد اجتهد كل القانونيين علي حد سواء كلا في تخصصه في وضع آليات من شأنها تفادي الخطأ القضائي قدر الامكان ، ومن وجهة نظري ان تلك الجهود المبذولة لم تفلح في تلاشي الخطأ القضائي بل ربما ساهمت في التقليل من الاضرار التي قد تقع علي المتقاضين نتيجة هذا الخطأ.
وحيث ان مسالة تقليل الاضرار ليست هي الغاية المثلي التي نسعي اليها ، فإنه قد بات لازما علينا بحث الاليات التي يمكن من خلالها تفادي الخطأ القضائي ،  ولكي نصل الي تلك الاليات فلابد وان نقف اولاً عن تحديد مواطن تلك الاخطاء بداية من تحديدها ثم تشخيصها وتحديد المسؤولية بشأنها واخيرا آليات تفادي الخطأ القضائي .
وحيث ان الملتقي الدولي يهدف بالأساس الي عرض التجارب العالمية لا سيما العربية فإنني في دراستي المعروضة ضمن اعمال الملتقي بإذن الله سأتناول محاور المداخلة المقدمة تطبيقا علي التجربة المصرية كنموذج عربي عتيق بما لها وما عليها متبعا المنهجية السالف الاشارة اليها.

 (1) أهمية الدراسة:

تأتي اهمية الدراسة بالنظر الي ما يمثله القضاء في ترسيخ مفهوم دولة القانون، وتحقيق العدالة التي هي اساس الحكم، بل هي الاساس المتين لاستقرار اي دوله .

كما تأني اهمية الدراسة من منطلق تحديد مشكله بهذا الحجم ومدي الاضرار الناجمة عنها، ثم تشخيصها وصولاً الي اليات من شأنها القضاء او علي الاقل الحد من الخطأ القضائي .

 (2) أهداف الدراسة :

تستهدف الدراسة العديد من النقاط يأتي منها تحديد المقصود بالخطأ القضائي والاضرار الناجمة عنه ، والاليات المُتبعة لاستكشاف الخطأ القضائي وصولا الي تلك الاليات المتبعة للوقاية من الخط القضائي ، وذلك تطبيقا علي التجربة المصرية وعن  الطرق التي اخذ بها النظام القضائي المصري في تفادي الخطأ القضائي وما لها وما عليها في تحقيق العدالة في ظل دولة القانون .

(3) محاور الدراسة

تتناول الدراسة عدد من المحاور هي :

- الخطأ القضائي والمقصود به فقهاً وقضاء

- آليات تحديد وتشخيص الخطأ القضائي

- تحديد المسؤولية عن الخطأ القضائي والتعويض عنه

علي أن تقوم معالجة تلك المحاور بالنظر الي التجربة المصرية بما لها وما عليها وفقا للمحاور المعروضة ، مع مراعاه اهداف الملتقي الدولي ومحاوره .

الكلمات المفتاحية :  الخطأ القضائي – المسؤولية الشخصية – المسؤولية المرفقية – التعويض


المبحث الأول: المقصود بالخطأ القضائي في النظام المصري

ان السلطة القضائية هي الحامية لحقوق الافراد وحرياتهم، وهي التي تعطي للقانون فاعليته وإلزامه، اذ بغير هذه السلطة لا يعدو القانون سوي قوعد نظرية لا يوجد من يحقق لها الصفة الإلزامية الآمرة ([1]).

وبرغم ما وضع من قواعد قانونية واجراءات بغرض تفادي الخطأ المحتمل إبان ممارسة القضاء دورة الا ان الخطأ ليس مستبعد.

 اولاً: التعريف الفقهي للخطأ القضائي:

يذهب البعض الي تعريف الخطأ المهني الجسيم للقاضي كونه الخطأ الذي ينطوي على الإهمال وعدم التبصر الذي يبلغ من الجسامة حدا يجعل له أهمية الخاصة. بحيث أن الخطأ المهني الجسيم للقاضي هو وقوعه في الخطأ الفادح أو الإهمال المفرط ما كان له أن يقع فيهما لو اهتم بواجباته بالشكل المطلوب ([2])    
وأذكر هنا، إن الخطأ المهني الجسيم للقاضي في نطاق المسؤولية التأديبية يشترط وجود فعل مادي إيجابي أو سلبي صادر عنه وأيضا يشترط تحقق الركن المعنوي وهو توافر سوء النية لديه، إلا أن بعض الفقه يذهب إلى عدم اشتراط هذا العنصر لتحقق الخطأ بحيث أن المخالفة قد تكون عمدية أو تقصيرية .
كما يذهب البعض إلى أن الركن المعنوي في الجريمة التأديبية يتمثل  في صدور فعل إيجابي أو سلبي عن إرادة اثمة ، فإن كان هناك تعمد كان الركن المعنوي هو القصد وإذا انصرفت الإرادة إلى نشاط دون نتيجة كان الركن المعنوي هو الخطأ وأن الخطأ الجسيم أو الفاحش هو الذي يبرر  تحريك المسؤولية التأديبية دون الخطأ العادي الذي يمكن لأي أحد الوقوع فيه سواء كان طبيبا أو قاضيا أو محاميا ([3])
   وبناء على ذلك يمكن تعريف الخطأ المهني القضائي الموجب للمسؤولية التأديبية بأنه ذلك الانحراف الخطير عن الحد الأدنى  للمبادئ المهنية  الأساسية  أو الخرق الفاضح لقواعد  القانون أو الجهل الذي لا يغتفر للوقائع الثابتة في ملف الدعوى.

ثانياَ: المفهوم القضائي  للخطأ القضائي

يذهب القضاء المصري إلى تعريف الخطأ المهني الجسيم بأنه هو الخطأ الذي ما كان يرتكبه القاضي  لو أنه اهتم بعمله اهتمام القاضي العادي.

    ويذهب قرار لمحكمة النقض المصرية إلى تعريف الخطأ المهني الجسيم  بأنه هو الخطأ الذي يقع فيه أي شخص قليل الذكاء والعناية بحيث لا يتصور وقوعه إلا من شخص  غبي عديم الاكتراث ([4]) .

والملاحظ هنا تأكيد كلا من الفقه القضاء علي مسالة الخطأ الجسيم في الذي يجعل من الخطأ سببا للمسؤولية ، إلا انه وكما سنعرض لاحقا ليس معني تحمل المسؤولية في ارتكاب الخطأ أن يستتبع هذا التعويض عن هذا الخطأ ، بل فقط يكون له اثر في تحديد المسؤولية تجاه القاضي .

المبحث الثاني : اليات تحديد وتشخيص الخطأ القضائي

مما لاشك فيه ان هناك اجماع علي امكانيه حدوث خطأ ابان ممارسة العمل القضائي استنادا انه من اعمال البشر الغير منزهة عن الخطأ .
وعلية فقد كان المشرع حريصا علي وضع اليات من شأنها تحديد الخطأ بغرض تفادي الاضرار الناتجة عنه ومن باب اولي منع تكراره في الحالات المماثلة .

واذا ما تم البحث عن الاليات التي يمكن من خلالها تحديد الخطأ القضائي فإنني ومن وجهة نظري اري ان هناك نوعان من تلك الاليات

الآليات الخارجية لكشف لتحديد الخطأ القضائي

واقصد بها تلك الاليات التي وضعها المشرع كضمانه للمتقاضيين في حالة ما اذا ارتأوا ان هناك خطأ ما من القاضي ، وبرغم انها تعد من قبيل الطرق العادية للطعن ، وبرغم ان من ينظر هذه الطعون هو قاضي اخر ربما في درجه اعلي في السلم القضائي ، الا انني اعتبرها من الاليات الخارجية في حاله ما اذا نظرنا الي الجهة التي بادرت في كشف او طرح موضوع الخطأ ، وتلك الاليات كما هو معلوم تكون كالاتي :

  • - بالنسبه للقضاء المدني  : فلا يخرج الامر في الطرق العاديه  عن الطعن بالاستناف والطعن بالنقض
  • -    بالنسبة للقضاء الجنائي : فلا يخرج الامر في الطرق العاديه عن المعارضه والاستناف والنقض
  • -    بالنسبة لقضاء الادارى : فلا يخرج الامر في الطرق العاديه عن الطعن امام المحكمه الاعلي درجه ثم الطعن امام المحكمة الادارية العليا .

وحيث انني يهمني في المقام الأول التركيز عن آليات اكتشاف الخطأ بشكل عام ، ونظرا لضيق الوقت فإنني سوف أحيل الحديث عن طرق الطعن العادية كاليه لكشف وتحديد الخطأ القضائي إلي دراسات آخري متخصصة يمكن تقديمها في مناسبات آخري .

               الآليات الداخلية لكشف وتحديد الخطأ القضائي

واقصد بها تلك الآليات التي تكون من داخل مؤسسة القضاء والتي يكون من ضمن مهامها الكشف عن الأخطاء الوارد حدوثها والتي وضع لها النظام القضائي نظاماً خاصا حدد فيها أوجه الاختصاص وكيفيه تحديد المسؤولية وما يترتب عليها علي النحو الذي ساورها بشكل مركز خلال هذا المبحث .

ومن أهم تلك الآليات المعمول بها وفقا للنظام المصري نظام التفتيش القضائي وهو نظام معمول به في الكثير من البلدان رغم ما قُدم إليه من أوجه نقض تعتمد في أساسها علي أنها تنقص من مبدأ استقلال القضاء ، إلا انه ورغم ذلك يبقي الآلية الأكبر فيما يتعلق بتحديد وتشخيص الخطأ القضائي .

وحرصا مني علي عدم الإطالة والخروج عن نطاق الدراسة المتعمقة في مسالة الخطأ القضائي فإنني سوف اكتفي بعرض التقسيم الداخلي لإدارة التفتيش القضائي  واختصاصاته ومهامه فيما يتعلق بالكشف عن الخطأ القضائي :

 أولا: التقسيم الداخلي لإدارة التفتيش القضائي المصرية

تنقسم إدارة التفتيش القضائي إلى ثلاثة أقسام هي :

ا- قسم التفتيش.

ب- شئون الأعضاء.

ج- الإحصاء.

  ثانياً : اختصاصات إدارة التفتيش القضائي

        تختص  إدارة التفتيش القضائي وبصفه أساسية بالتفتيش على أعمال القضاة والرؤساء بالمحاكم الابتدائية لتحديد أوجه كفايتهم ومدى حرصهم على أداء واجبات وظيفتهم وتحقيق الشكاوى التي تقدم ضدهم والطلبات التي تقدم منهم ومتابعة القضاة والرؤساء بالمحاكم الابتدائية فنيا ومسلكيا .

كذلك فإنها تختص بجمع التحريات والمعلومات والبيانات اللازمة عن المرشحين للوظائف القضائية من الخارج وتقدم لوزير العدل وما تراه من اقتراحات عامه فى شأن إدارة القضاء ويكون توزيع الاختصاص وفقا للتقسيم الداخلي للاداره علي النحو التالي :

أ-   اختصاصات ومهام قسم التفتيش ([5])

1- التفتيش الدوري على جميع أعضاء النيابة حتى درجة رئيس نيابة حسب التوزيع الذي يعده مدير إدارة التفتيش وعرض التقارير على اللجنة المختصة بفحص تلك التقارير.

2- تحقيق الشكاوى التي ترد ضد أعضاء النيابة العامة والمتعلقة بتصرفاتها القضائية والمسلكية وعرضها على اللجنة الخاصة بفحص الشكاوى.

3- تحقيق ما يحال على إدارة التفتيش من النائب العام وعرض نتيجة ما يسفر عنه ذلك.

4- القيام بالتفتيش المفاجئ على النيابات حسب التنظيم الذي يعده مدير التفتيش لمراقبة حسن انتظام العمل بتلك النيابات.

5- اقتراح التوجيهات والتعليمات التي تعمم على النيابات في منشورات دورية والمستفادة من ملاحظتهم على أعمال النيابة حتى يتلافونها في أعمالها المستقبلية وإرسال ذلك إلى المكتب الفني لدراستها وإصدارها.

 ب – اختصاصات ومهام  قسم شئون الأعضاء بالاتي ([6])

1- إمساك ملفات أعضاء النيابة العامة والسجلات الخاصة بقيد طلبات الالتحاق بوظائف النيابة العامة وقيد التعيينات والترقيات والندب والإحالة على التقاعد وطلب المعلومات والبيانات اللازمة لذلك من الجهات المختصة.

2- جمع البيانات اللازمة لمشروع الحركة القضائية لأعضاء النيابة العامة.

3- قيد الشكاوى الواردة لإدارة التفتيش القضائي والمتعلقة بأعضاء النيابة في السجلات الخاصة بها تمهيدا لعرضها.

4- استبقاء مسوغات تعيين أعضاء النيابة العامة وتنفيذ القرارات الخاصة بتعيينهم وترقيتهم وتنقلاتهم وندبهم وتسوية حالاتهم وانتهاء خدمتهم.

5 - إعداد كشوف الأقدمية لجميع أعضاء النيابة عقب صدور كل حركة قضائية.

ج – اختصاصات ومهام قسم الإحصاء ([7])

يختص قسم الإحصاء القضائي بالاتي:

1- جمع الإحصائيات الشهرية التي ترد من النيابات المختلفة عن عدد الجرائم التي ارتكبت وتصنيفها.

2-إنشاء السجلات والنماذج الإحصائية.

3-عمل بيانات بإحصائيات نصف سنوية عن عدد القضايا التي تم التحقيق فيها ونتيجة التصرف فيها.

4-إعداد الرسوم والجداول البيانية ولوحات الحائط لمختلف الإحصائيات عن كل نيابة وعدد الجرائم التي ارتكبت فيها ومعدل النشاط الإجرامي.

5-تبليغ الجهات الرئاسية بتقارير المعلومات الدورية والإحصائية.

6-إعداد ما تطلبه جهات الاختصاص من البيانات والإحصاءات الدورية.

7-القيام ببحوث إحصائية وعمل دراسات تحليلية لأسباب الجرائم واقتراح وسائل مكافحه انتشارها وإصدار الكتب الإحصائية لايداع الجرائم الجسيمة وغير الجسيمة كل نصف سنة.

          وباستقراء تلك الاختصاصات التي أوكلت لإدارة التفتيش القضائي يتضح لنا ان تلك الإدارة وبتلك الصلاحيات الواسعه احد اهم واكبر الضمانات التي تكفل تقليل الآثار النانتجه عن الخطأ القضائي .

الا ان هذا النظام لم يمنع حدوث الخطأ ، رغم كل تلك الصلاحيات ، فما زال الخطأ موجود .

بل ان وجود مثل تلك الادارة – ادارة التفتيش القضائي – أثارت العديد من الانتقادات ، لما يراه البعض انه تدخل في شئون القضاء ورقابه علي السلطة القضائية يمنعها من تحقيق العدالة ويخل بمبدأ الفصل بين السلطات ، إلا  أن رأي البعض الآخر وأنا منهم  اهميت تلك الادارة في مساله التقليل من الخطأ القضائي والإبقاء عليها شريطه ان تكون تابعه للمجلس الاعلي للقضاء بدلا من تبعيتها لوزارة العدل التي هي بالطبع احدي مؤسسات السلطة التنفيذية للدولة .

المبحث الثالث :  المسؤولية عن الخطأ القضائي والتعويض عنه

بشأن المسؤولية عن الخطأ القضائي فإنه ينبغي الإشارة بان الحديث سوف يكون عن الأعمال القضائية بصفه عامه ، وعليه فلن يقتصر الحديث عن الحكم الذي يفصل في خصومة وإنما يمتد لأعمال آخري للقاضي كما يشمل أيضا أعمال النيابة العامة وهيئه المفوضين وأعمال الضبطية القضائية .

وعلي هذا فإنني سوف اقسم هذا المبحث علي النحو الآتي :

أولا : القاعدة العامة في تحديد مسؤولية السلطة القضائية

أ‌-      أعمال القضاة

القاعدة العامة هي عدم المسؤولية علي أعمال القضاة في كل المحاكم سواء كانت تابعة للقضاء العادي بدوائره المختلفة المدنية والجنائية والتجارية والشرعية او محاكم مجلس الدولة أو القضاء الاستثنائي كالمحاكم العسكرية وكذلك أمام المحكمة الدستورية العليا .

كذلك يسري مبدأ عدم المسؤولية علي جميع أعمال القاضي سواء كانت أحكاما بالمعني الفني أو أعمال تمهيدية أو تحضيرية للأحكام كالقرارات الصادرة في طلبات الإعفاء من الرسوم القضائية أو بتعين خبير أو بإحالة الدعوي للتحقيق في أحوال الإنكار .

كما تغطي قاعدة عدم المسؤولية الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الأحكام حيث تعد امتداد للأحكام المراد تنفيذها فتأخذ نفس طبيعتها القضائية وعلي ذلك فإن قرارات التصديق علي الأحكام تعد قرارات قضائية لا إدارية سواء صدرت من رئيس الجمهورية أو من الوزراء ، وتطبيقا لذلك حكم مجلس الدولة المصري بعدم اختصاصه بنظر الدعوي المرفوعة ضد وزير الداخلية بالتصديق علي حكم المجلس الملي ([8])

غير أن قاعدة عدم المسؤولية لا تسري بالنسبة لأعمال القضاة الصادرة منهم في شئون الموظفين الكتابيين الخاضعين لهم كترقيات وتأديبهم حيث يعتبرها القضاء أعمالا إدارية يجوز الطعن فيها إلغاء وتعويضاً.([9])

وكذلك لا تسري قاعدة عدم المسؤولية بالنسبة للقرارات الصادرة في شئون القضاة الوظيفية حيث يختص القضاء بنظرها إلغاء وتعويضا ([10])

ب‌-  أعمال النيابة العامة وهيئة المفوضين

·  أعمال النيابة العامة :

لقد فرق القضاء المصري ومعه جانب كبير من الفقه بين أعمال النيابة العامة القضائية وغيرها من أعمال إدارية إذ أن الأولي لا تخضع للمسؤولية علي عكس الثانية ، ولقد اخذ بتلك التفرقة كلا من القضاء العادي والقضاء الإداري المصري ( [11])

·  أعمال هيئة مفوضي الدولة :

تختص هيئه مفوضي الدولة أمام مجلس الدولة المصري بتحضير الدعاوي وتهيئتها للمرافعة والفصل في طلبات الإعفاء من الرسوم القضائية ، وعرض تسوية النزاع علي طرفي الخصومة علي أساس الثابت من المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا ، وإعداد تقرير يحدد فيه وقائع الدعوي والمسائل التي يثيرها النزاع .

وعلي هذا فإن التفرقة بين أعمالها كما هو الشأن بالنسبة للنيابة العامة لا محل له حيث تُعد كل أعمالها أعمالا قضائية وهو ما استقر علية القضاء في مصر .([12])

ت‌-  أعمال رجال الضبط

        - بالنسبة لأعمال الضبط القضائي

يمكن القول بأن القضاء العادي يميل إلي تقرير مسؤولية الدولة عن أعمال الضبط القضائي .([13])

أما بالنسبة لمجلس الدولة المصري فقد درج منذ إنشاؤه علي اعتبار أعمال الضبطية القضائية أعمالا تخرج من رقابته إلغاء وتعويضا .([14])

   - بالنسبة لأعمال الضبط الإداري

من المستقر فقها وقضاء ان هذا النوع من الأعمال تعد أعمالا إدارية وليست قضائية ، وبالتالي فإنها تخضع لمبدأ مسؤولية الدولة عنها وهذا ما توترت عليه أحكام القضاء الإداري([15]) المصري والقضاء العادي أيضا([16])

ث‌-  أعمال المحضرين والكتبة والخبراء

لقد اقر القضاء المصري مسؤولية الدولة عن أعمال المحضرين والكتبة والخبراء وذلك علي غرار المسؤولية المقررة علي الموظفين العموميين ([17])([18])

ثانياً : الاستثناءات الواردة علي مبدأ عدم المسؤولية عن الخطأ القضائي في النظام المصري  

برغم ان المقرر من الناحية النظرية بل والعملية ايضا هو عدم المسؤليه عن الخطأ القضائي ، الا ان تلك القاعدة قد ورد عليها استثناءات بغرض ان تتوافق مع روح العدالة ، ونذكر منها بعض الحالات التي اقرها النظام القانوني المصري وهي :

أ – المسؤولية في حالة براءة المحكوم علية بحكم جنائي نهائي

لقد اخذ المشرع المصري بآلية التماس إعادة النظر كطريق غير عادي للطعن علي الأحكام الا ان المشرع لم يعطي للمتهم الذي حكم ببراءته الحق في الحصول علي تعويض من الدولة عن الأضرار التي لحقته من جراء الحكم الصادر بالإدانة وذلك بالرغم من مشروع قانون الإجراءات الجنائية كان ينص علي مبدأ مسؤولية الدولة في هذه الحالة ([19]) .

واقتصر المشرع المصري علي النص في المادة 450 من قانون الاجراءات الجنائية علي ان " كل حكم صادر بالبراءة بناء علي طلب اعادة النظر يجب نشرة علي نفقة الحكومة في الجريدة الرسمية بناء علي طلب النيابة العامة وفي جريدتين يعينها صاحب الشأن " وبالتالي فلا سبيل أمام المحكوم ببراءته بطريق الالتماس الا اللجوء الي دعوي المخاصمة اذا توافرت أسبابها او مطالبة المتسبب في الحكم علية بالادانه بالتعويض وفقا للقواعد العامة للمسؤولية.

ب – المسؤولية عن أضرار الحبس الاحتياطي

الملاحظ انه لا يوجد نص تشريعي صريح علي هذه الحالة ، إلا ان الدستور المصري إبان تقريره نصوص تضمن الحرية الشخصية وحرمتها للمواطنين وغيرها من الحقوق العامة التي يكفلها الدستور .

ج – المسؤولية في حالة مخاصمة رجال القضاء

رغم أن القاعدة هي عدم مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي وذلك علي الرغم من ان الأصل وفقا للقانون المدني المصري ينص علي ان كل خطأ سبب ضرر للغير يلزم من ارتكبة بالتعويض ([20]) ، الا ان المشرع قد استثني القضاء من هذا الاصل لما يقع منهم من اخطاء أثناء وبمناسبة تأديتهم لعملهم القضائي ، واكتفي المشرع بأي خطأ يرتكبة في مباشره وظيفته شرط ان يكون الخطأ جسيم ، بل واحالة تلك الحالة بضمانات حتي لا يتهيب التصرف فيما يعرض عليه من منازعات وللحيلولة دون تقديم الادعاءات الكيدية ، ولذلك حدد المشرع أسباب المسؤولية ورسم لها طريقا خاصا ينطوي علي الكثير من الضمانات ، اوجب علي الخصم المضرور إتباعها اذا اراد الرجوع علي القاضي بالتعويض هو " طريق المخاصمة([21] )  ([22]) .

وبالنظر الي موقف القضاء المصري من مسالة مخاصمة القضاء فإننا نجد انه أكد علي الضمانات المقررة في هذا الأمر حيث قررت محكمة النقض المصرية ان " الحكمة التي توخاها المشرع من وضع نظام المخاصمة هو توفير الضمانات القاضي في عملة واحاطتة بسياج من الحماية يجعلة في مأمن من كيد العابثين الذين يحاولون النيل من كرامته وهيبته برفع دعاوي كيدية لمجرد التشهير به ([23]).

اما فيما يتعلق باحقية المتضرر في تعويضات في حالو ما اذا انتهت دعوي المخاصمة بمسولية القاضي فاننا سوف نكتشف ان قانون المرافعات الحالي لا يتضمن نصا بهذا الشأن. 

الخاتمة والنتائج والتوصيات

وبعد ان تناولت في تلك الدراسة المركزة والموجزة لواحده من اهم الموضوعات التي طالما شغلت كل العاملين في الحقل القانوني، بل وتشغل الجمهور من المتقاضيين، وتكمن تلك الاهمية ايضا في كونها تمس وبشكل مباشر اهم ركائز ودعائم الدوله الا وهو تحقيق العدالة .

وبعد ان انتهيت من تلك الدراسة فانني قد اكون قد خرجت بعدد من النتائج اوجزها في الاتي:

-         ان الفقه والقضاء المصري ابان تعريفه لمفهوم الخطأ القضائي قد ركز علي الخطأ الجسيم واعتباره هو أساس المسؤولية عن الخطأ، وكان الغرض من هذا ان يحيط القضاء بسياج من الهيبة ويعطيه القدره علي ممارسة عمله دون خوف او تردد من ملاحقات من بعض العابثين.

-         انه وفيما يتعلق باليات الكشف عن الخطأ القضائي وتحديده فانه ومن الملاحظ ان النظام المصري اعتمد علي نوعين من الاليات، اولها الخارجية واقصد بها طرق الطعن العادية وثانيهما الداخلية واهمها التفتيش القضائي علي اعمال القضاة واعضاء النيابة .

-         ان نظام التفتيش القضائي برغم ما يؤخذ عليه من سلبيات واخطاء قاتله تمس في بعض الاحيان استقلال القضاء الا انه نظام فعال في التقليل من حدوث الخطأ القضائي.

-         انه وبشأن تفعيل اكثر لمنظومة التفتيش القضائي فإنني اري انه يمكن ان تنقل تبعيته للمجلس الاعلي للقضاء بدلا من وزارة العدل، وهذا الامر محل دراسة وتطبيق في الآونة الاخيره .

-         ان النظام المصري وكقاعدة عامه ياخذ بمبدأ عدم مسؤلية القضاء عن الخطأ القضائي والا في اضيق الحدود وعلي سبيل الاستثناء يقرر المسؤولية اذا ما كان الخطأ جسيم ، الا انه ورغم ذلك  فان المشرع المصري قد سكت من مسالة التعويض في حالات ثبوت الضرر .

ومما سبق وفي الجملة فإنني أتمني إن أكون عرضت وبشكل مركز أهم المحاور المتعلقة بموضوع غاية في الأهمية ، بحجم موضوع الخطأ القضائي تطبيقا علي التجربة المصرية .

اسأل الله التوفيق والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته

                                                                د/ هشام منصان

                                                

الهوامش



[1] - ، المسئولية عن اعمال السلطة القضائية ، رمزي الشاعر ، ط 1983، ص 9

[2] - دروس لطلبات الدكتوراه في المسؤولية المدنية والتأديبية ، سليمان مرقس :. القاهرة . 1957 نبذة 142 وما بعدها.

[3] - القضاء الإداري والقضاء التأديبي ،  سليمان محمد الطماوي . القاهرة . ص 47 وما بعدها وانظر كذلك  v  waline : traité  élémentaire de droit administratif : paris : edit : seine : p324 )

[4] - انظر احكام محكمة النقض المصرية : مجموعة أحكام النقض 6-249-32 . بتاريخ 9/8/1954

[5] - المادة 21  من اللائحه التنفيذيه المنظمة للتفتيش القضائي

[6] - الماده 35 من اللائحه التنفيذيه المنظمة للتفتيش القضائي

[7] - الماده 36 من اللائحه التنفيذيه المنظمة للتفتيش القضائي

[8] - محكمة القضاء الإداري المصرية 20- 3- 1953 لسنه 10 ، ص 628 وكذلك حكم المحكمة الإدارية العليا في 29 3- 1980 رقم 628 لسنه 23ق .

[9] - مسؤولية الدولة غير التعاقدية ، أنور رسلان ، طبعه 1980 ، ص 5- 6  وانظر أيضا  الوسيط في القانون الإداري ، عاطف البنا ، ص 335

[10] - وذلك وفقا لنص المادة 104 من القانون 47 لسنه 1972 بشأن مجلس الدولة المصري .

[11] - قضاء التعويض ، رمزي الشاعر ، طبعه 1989م ، ص 34

[12] - مسؤولية الدولة غير التعاقدية ، أنور رسلان ، طبعه 1980 ص 107

[13] - القضاء الإداري والقضاء التأديبي ، سليمان محمد الطماوي . القاهرة . ص 64

[14] - محكمة القضاء الاداري في 18-3-1956 السنه 10 ص 250 كذلك حكمها في 3-2-1957المجموعه السنه 3 ، ص 1099

[15] - مجموعه احكام القضاء الاداري المصرية السنة  10 ص 258

[16] - راجع حكم محكمة الاستئناف الاهلية 10-12-1932 ، المجموعة الرسمية س 36 ، ص 279، المحاماه ،السنه 14 ، العدد التاسع ، ص 370 .

[17] - القضاء الإداري والقضاء التأديبي ، سليمان محمد الطماوي . القاهرة . ص 68 و قضاء التعويض ، رمزي الشاعر ، طبعه 1989م ، ص 148 و مسؤولية الدولة غير التعاقدية ، أنور رسلان ، طبعه 1980 ، ص 112

[18] - راجع في هذا حكم محكمة النقض المصرية الصادر في 11-3-1937 ، مجلة المحاماه ، السنه 17، ص 1034.

[19] - مسؤولية الدولة غير التعاقدية ، أنور رسلان ، طبعه 1980 ، ص 122 

[20] - القانون المدني المصري ، المادة 163

[21] - تنظم أحكام مخاصمه القضاة في مصر وفقا لقانون المرافعات المدنية والتجارية في المواد 494 الي 500 .

[22] - الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية ، احمد السيد صاوي ، طبعه 1981 ص 108

[23] - مجموعة المكتب الفني ، نقض مدني 19-6-1980 ، السنه 31، ص 1790 .

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-